خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

«كناريا وشركاه» .. التألق الدرامي والبحث عن العدل والحرية

«كناريا وشركاه» .. التألق الدرامي والبحث عن العدل والحرية

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

نزيه أبو نضال - بعد أن انتهى مولد المسلسلات الهابطة في رمضان صار بالإمكان التمييز بين الفن الحقيقي وبين ما يشبهه..
 يكفي كي تلحظ الفارق النوعي بين الدراما المتألقة بالغة التوتر والتشويق وبين الدراما الهابطة فنياً والبليدة حد الملل أن تشاهد أحد مسلسلي «عفاريت السيالة» أو"كناريا وشركاه» مقابل «بنت من شبرا»، رغم تميز ليلى علوي. والسبب يكمن في عبقري الدراما التلفزيونية، أسامة أنور عكاشة ومعه المخرج اسماعيل عبد الحافظ، حيث سبق للاثنين أن صنعا أعظم ملحمة في تاريخ الدراما التلفزيونية العربية، أعني خماسية «ليالي الحلمية»، كما عملا معا في «امرأة من زمن الحب»..
  إن أسامة أنور عكاشة، كما سبق ووصفناه، علامة تعني التفوق والجودة، ويستطيع المتلقي أن يشاهد أياً من أعماله الفنية باطمئنان تام.. فقد سبق واختبره في العديد من المسلسلات، ويكفي أن نذكر:  «اميرة في عابدين»،  «أرابسك»، «أبواب المدينة»، «وقال البحر»،  «أنا وبابا في المشمش»، «الراية البيضا»، «ضمير ابله حكمت»، «عصفور النار»، «لما الثعلب فات»،  «الشهد والدموع»، «نصف الربيع الآخر»، «وما زال النيل يجري»، «زيزينيا».. الخ..
 أما المخرج اسماعيل عبد الحافظ فهو بدوره صاحب بصمة متميزة في تاريخ الدراما العربية بشهادة مسلسلات مثل: «الاصدقاء»، «وجع البعاد»، «شارع الماوردي»، «البر الغربي».
 إن الدراما التلفزيونية هي رواية القرن الواحد والعشرين، وهي قادرة أن تلعب دور الحكواتي أو السامر في تراثنا العربي.. وحيث الناس يتحلقون حول الشاشة الصغيرة يتابعون، ما يروى أمامهم من وقائع تهمهم، لكن شريطة أن يظل المتلقي، خلال المتابعة، مشدوداً باللهفة، لمعرفة ما سيحدث، وأن تتسم هذه الوقائع بالتشويق والاثارة، لا أن يغرق الناس في التثاؤب، كما هو الحال عند مشاهدة «بنت من شبرا».
**
سنتحدث اليوم عن  «كناريا وشركاه»، على أن نتحدث في متابعة لاحقة عن «عفاريت السيالة». ينطلق عمل عكاشة الجديد من ثيمة أثيرة، طالما اشتغل عكاشة عليها.. وهي ثيمة العدل والحرية، ولكن المسلسل يتابع ذلك من خلال واقع اجتماعي تدور أحداثه حول حكاية مدرس الرسم في مدرسة إعدادية متزوج من امرأة أنانية، مديحة (لوسي) التي تحلم بالثراء وهو غير قادر علي تلبية متطلباتها، انه الرسام المرهف «سيد القوصي» الذي سيعرف بسبب عشقه للطيور بـ» سيد كناريا»، (فاروق الفيشاوي).
حب سيد لزوجته يدفعه الى تزوير العملة، بأغراء من صديقه الحميم عواد (توفيق عبد الحميد) الذي يودعه السجن، ليحمي نفسه وشركاءه، في عصابة تزوير العملة، بل ويتزوج من مديحة امرأة سيد نفسها، ويستولي علي ابنه الذي ولدته وهو في السجن وينسبه لنفسه.
في السجن يخوض سيد كناريا بمعاونة سجين آخر مثقف (نبيل الحلفاوي) صراعاً دموياً ضارياً, ليدافع عن كرامته وانسانيته، بمواجهة العرف السائد بين المساجين.. بأن يزحف على ركبتيه معلناً خضوعه المهين أمام زعيم المساجين.
 بعد خروجه من السجن يقيم مع شقيقته (سمية الالفي) ويحاول أن يستقيم في عمله كخطاط ومصمم أفيشات، حتى يكون مثلاً أعلى لأبناء شقيقته.. وهنا يطرح العمل فكرة أن من حق الإنسان، بعد أن دفع ثمن الجريمة التي ارتكبها، وهي تزوير العملة، أن يحصل على فرصة ثانية ليكون مواطناً صالحاً من جديد..فهل سيقبله المجتمع، ويسمح له بالانصهار داخله؟ هذا ما يحاوله «سيد كناريا»، ولكن حياته، بدل ذلك، تنقلب رأساً على عقب.. فإثر إغراق الأسواق بكميات هائلة من النقود المزيفة.. يصبح سيد مراقباً من المخبرين ومن عصابة التزوير القديمة، أما صديقه القديم عواد فيتوجس منه خيفة بعد تلقيه خطاب تهديد..كما يفاجأ أحد قادة عصابة تزوير العملة، والذي أصبح صاحب إحدى شركات الصرافة، بأن خزائن الشركة قد امتلأت بالنقود المزيفة فيعتقد، أن سيد هو السبب.. فيقرر الإنتقام منه، وفي هذه الاثناء يفاجأ سيد باعتراف محاميه، قبيل وفاته، بأنه تستّر على تزوير شهادة وفاة إبن «سيد» من زوجته، فهل سيقرر البحث عن إبنه والثأر ممن حرموه منه: الزوجة والصديق والعصابة؟ يسافر سيد ليعمل على البواخر، وليعود بعد عشرين عاما إنسانا آخر صهرته المحن وخلصت معدنه الأصيل من كل الشوائب.. فيفتح ورشة مع صديق الغربة (صلاح) في القاهرة بعيدا عن الإسكندرية.. فهو يريد أن يعيش في مجتمع جديد لا يعرف شيئا عن ماضيه ليمارس حياته الطبيعية ويصبح عضوا فعالا في المجتمع. ولكن هل سيتركه الاشرار ليعيش بسلام بعد كل ما الحقوه به من اذى؟! على هذا النحو تتواصل وقائع المسلسل..
هذا الزخم الهائل من الاحداث يتم في ظل تطورات متسارعة وعاصفة وفي سياق تصارعات عنيفة بين شخصيات العمل وفي داخل الشخصية نفسها.. ذلك أن عكاشة لا يقدم شخصيات نمطية ثابتة أو جامدة بل شخصيات واقعية حية.
 وهو ينجح كذلك، وبالتعاون الوثيق مع المخرج في ربط وقائع العمل بالحياة المباشرة للناس الذين يشاهدون زمنهم الراهن والسابق، عبر تركيبة ناجحة من الديكورات والملابس والاكسسوارات والمؤثرات الصوتية.. فدائماً ثمة أغنية ما او موسيقى تمنح الزمن نكهته الخاصة والأليفة.
غير أن نجاح أعمال عكاشة لا يتحقق بفعل هذه الخاصيات وحدها بل أساساً من وجود مجموعة من الخطوط الدرامية المتكاملة والمتشابكة التي ينهض عليها العمل.. إن سر فشل معظم المسلسلات العربية ناتج عن اعتمادها على خط درامي واحد يتمحور عادة حول شخصية النجم/البطل ويجري مط الاحداث بصورة فائضة للوصول الى الـ30 حلقة، وحين يضطر القائمون على مثل هكذا عمل الى تفريع الاحداث، فإن المبرر الفني يكون على الارجح فائضاً لأنه جاء من خارج النسيج الدرامي.
في كناريا ثمة خطوط درامية غنية تثري العمل فنيا وترسم جوانب اضافية للمشهد الاجتماعي التاريخي الذي يتناوله المسلسل.. هكذا نتابع حياة عائلة شقيقة سيد (سمية الالفي) مع زوجها ضابط الامن ومع ابنائها.
 كما نتابع نموذج المناضل الوطني الانسان بدر الكاشف عاشق مصر والمدافع بروحه عنها.. إنه ابن البلد الشهم الذي يساعد الشباب في الغربة من أجل الحصول علي فرص عمل.
وهناك نموذج العائلة المصرية حافظة التقاليد والقيم النبيلة في مواجهة الخراب الذي تفرزه ثقافة العولمة الاستهلاكية.. انها عائلة المواطن المصري البسيط (سيد عبدالكريم) الذي احتضن سيد كناريا، ودافع عنه، ورفض أن يستمع لأية وشاية عنه، رغم ما تعرض له من محنة كبيرة بسبب علاقته به.
ولكن لماذا الكناريا؟!
منذ بداية العمل يسلط الثنائي عكاشة/عبد الحافظ الضوء على العلاقة الاستثناية التي تربط سيد بطيور الكناريا.. حيث كان يلجأ اليها شاكياً كلما اشتطت زوجته بمطالبها مهددة بترك البيت، وهو يسعى الى احضارها الى السجن لتؤنس وحدته وعذابه.. وهذه العصافير الحبيسة تتماهى مع سيد فهي مثله خلف قضبان القفص، بالرغم من موسيقى صوتها وجماليات هيئتها، وريشها الملون، إلا أنها مثله لا تملك حريتها ولامصيرها، فهي حبيسة القضبان المعدنية التي تفصلها عن الحرية.
في مجتمع تحكمه قوانين السوق والبلطجة ومنوعات الثقافة الاستهلاكية لا بد ان يفقد طائر الكناريا حريته ولا بد أن يبيع الفنان المبدع سيد القوصي روحه لمزوري العملة من اجل حفنة دولارات.. ولكن في المقابل فلا زالت هناك أجنحة ترفرف تواقة للحرية، ولا زال هناك ضمير يريد أن يتطهر من اثم عارض، وان كان ذو شخصية ضعيفة ومهزوزة.. وهناك أيضاً ابن البلد الشهم (سيد عبد الكريم) والمضحي بدر الكاشف والفنان المخلص صلاح.. الخ.. انها بذور الخير تقاتل من أجل غد اجمل .. تلك هي الرسالة التي تعزفها طيور الكناريا ويرسمها مبدعون مؤمنون بمستقبل الانسان وانتصاره، بالكلمة والكاميرا والريشة.
                      [email protected]

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF